فصل: قال زكريا الأنصاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الأخفش:

سورة البلد:
{وأنت حل بهذا البلد}
قال: {وَأَنتَ حِلٌّ} فمن العرب من يقول (أنتَ حِلٌّ) و(أنتَ حَلال) و(أَنْتَ حِرْمٌ) و(أَنتَ حَرامٌ) و(هو المُحِلّ) و(المُحْرِم) وتقول: (أَحْلَلْنا) و(أحْرَمْنا) وتقول (حَلَلْنا) وهي الجَيّدة.
{فَلاَ اقتَحَمَ العقبة}
وقال: {فَلاَ اقتَحَمَ العقبة} يقول {فَلَمْ يَقَتْحِمْ} كما قال: {فَلاَ صَدَّقَ} أي: فلم يُصَدِّقْ.
{فَكُّ رقبة}
وقال: {فَكُّ رقبة} أي: العقبة فكُّ رقبة أَوْ إِطْعَامٌ. وقال بعضهم {فَكَّ رقبة} وليس هذا بذاك و{فكُّ رقبة} هو الجيّد.
{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مسغبة يَتِيماً ذَا مقربة}
وقال: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مسغبة} {يَتِيماً} نصبَ (اليتيمَ) على (الإِطعام). اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة البلد:
3- {وَوالِدٍ وَما ولد}: آدم وولده.
4- {فِي كبد} أي في شدة غلبة، ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة.
6- {مالًا لبدا} أي كثيرا. وهو من (التلبّد): كأن بعضه على بعض.
10- {وَهَدَيْناهُ النجدين} و(النّجد): الطريق في ارتفاع. يريد: طريق الخير والشر.
وقال ابن عباس: الثّديين.
11- {فَلَا اقْتَحَمَ العقبة} أي فلا هو اقتحم العقبة.
13- فَكُّ رقبة أي عتقها وفكّها من الرّق.
14- {ذِي مسغبة} أي ذي مجاعة.: و(السّغب): الجوع، و(الساغب): الجائع. يقال: سغب الرجل يسغب سغبا وسغوبا، إذا جاع.
15- {يَتِيماً ذا مقربة} أي ذا قرابة.
16- {أَوْ مِسْكِيناً ذا متربة} أي ذا فقر، كأنه لصق بالتراب من الفقر.
20- {نارٌ مؤصدة} أي مطبقة مغلقة. يقال: أوصدت الباب، إذا أطبقته وأغلقته. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة البلد:
1 {لا أُقْسِمُ بِهذَا البلد}: أي: وأنت مستحل الحرمة، فيكون واو وَأَنْتَ واو الحال، وهذا قبل الهجرة، ثم استأنف وأقسم بقوله: {وَوالِدٍ}. أي: آدم، {وَما ولد}: ذريته.
وقيل: إنه إثبات القسم، والمعنى: وأنت حلال تصنع ما تشاء، كما روي أنه أحلّ له يوم الفتح.
وقيل: {حِلٌّ}: حالّ، أي: ساكن.
4 {فِي كبد}: في شدائد لو وكلناه إلى نفسه فيها لهلك.
6 {لبدا}: كثيرا، من (التلبّد).
10 {وَهَدَيْناهُ النجدين}: طريقين في ارتفاع، وهما ثديا أمّه.
وفي الحديث: «إنّهما طريقا الخير والشّر».
11 {فَلَا اقْتَحَمَ العقبة}: الاقتحام: الدخول السّريع، و{العقبة}: طريق النّجاة.
وقيل: الصراط.
وقيل: الهوى والشّيطان واقتحامها فك رقبة، ثم كان المقتحم من الذين آمنوا.
16 {ذا متربة}: مطروحة على التراب.
و(المسغبة): المجاعة.
20 {مؤصدة}: مطبقة. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة البلد:
عدد 35 – 90.
نزلت بعد سورة ق.
وهي عشرون آية كالمزمّل.
واثنتان وثمانون كلمة.
وثلاثمائة وثمانون حرفا.
لا يوجد سورة مبدوءة أو مختومة بما بدئت وختمت به.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: {لا أُقْسِمُ} تقدم الكلام في هذا أول سورة القيامة فراجعها ففيها بحث نفيس {بِهذَا البلد 1} مكة شرفها اللّه {وأنت حل بهذا البلد} 2 كرره لشرفه تأكيدا، وأقسم به تعظيما لقدره وتكريما لمن ولد فيه وهو محمد صلى الله عليه وسلم وان وجوده فيه أكبر تعظيم وتقديس له فلا حاجة إلى القسم به وفي قوله: {حِلٌّ} اشارة إلى أنه سيفتحها على يديه بعد إخراجه منها، وأنه سيحلها له وهذا من الإخبار بالغيب، راجع الآية 10 من سورة الأعلى والآية 3 من سورة التكوير المارتين، لأن اللّه أخبره بهذا وهو في مكة، وقد أنجز اللّه له وعده يوم الفتح المبين كما سيأتي في سورة الفتح حيث أحلها له وقتا من الزمن، وأباح له ان يصنع فيها ما يشاء، حتى انه أمر بقتل ابن حنظل وهو معلق بأستار الكعبة وكذلك مقيس بن حباية وقد أحل دماء قوم وحرم دماء آخرين وأمّن من دخل البيت ودار أبي سفيان ومن أغلق بابه ومن ألقى سلاحه، ثم قال: «إن اللّه حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ولم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار فهي حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة».
قال تعالى: {وَوالِدٍ وَما ولد 3} آدم عليه السلام فمن بعده من الأنبياء والعالمين، لأن الكفرة والعصاة لا حرمة لهم حتى يقسم بهم، وقيل المراد بالوالد ابراهيم وبالولد إسماعيل ومحمد عليه الصلاة والسلام، إلا أن الآية عامة وما ذكرناه أليق بعمومها لأن آدم أول والد لنوع الإنسان، وجواب القسم {لَقَدْ خَلَقْنَا} نحن خالق السموات والأرض {الْإِنْسانَ} جنسه وأهله وما تولد منه {فِي كبد 4} شدة ومشقة وتعب وبلاء ومحنة ونصب، لأنه كابد مصائب الدنيا وحمله وولادته ورضاعه وفطامه، وفصاله ومعاشه في الدنيا، وموته وقبره، وحشره ونشره وحسابه يوم الجزاء على ما وقع كله كبد، وفي هذه الآية تسلية لحضرة الرسول عما هو فيه من أذى قومه، وان الإنسان لا يخلو من مقامات الشدائد والمحن، وما أنت يا محمد إلا إنسان ويجري عليك ما يجري عليه، فلا تحزن ولا تجزع، وعليك بالصبر والاحتساب إلى أن يأتيك بالنصر والفتح.
قال ابن عباس الكبد الاستقامة والاستواء أي خلقنا الإنسان منتصبا معتدلا لا كسائر الحيوان وليس بشيء في هذا المقام.
قال تعالى: {أَيَحْسَبُ} الإنسان لإنسان مخصوص ويشمل غيره ممن هو على شاكلته {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد 5} بما يزعم من قوته (كلّا) نزلت هذه الآية في أسيد ابن كلدة بن جمح المكنّى بأبي الأشد من صناديد قريش الذي كان يضع الأديم العكاظي وهو أقوى أنواعه تحت رجله ويقول من أزالني عنه فله كذا وكذا، فلا يطيق أحد أن يزيله عنه حتى يتقطع الأديم فلا يبقى إلا موضع قدمه، وكان يكابد حضرة الرسول مفتخرا بقوته هذه، وسياق الآية الأولى يدل على نزولها فيه لوجود لفظ {كبد} لأن الرسول يكابد من هذا الخبيث زيادة على ما كان من أذى قومه وكان ينتهك حرمته وحرمة البيت ويزداد في تعنته عليه، والتهديد في الآية موجه إليه خاصة والى من يفعل فعله عامة، ولأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وهذا الخبيث من جملة من تولى كيد عداوة الرسول كالوليد بن المغيرة وعمرو بن عبد ود وأبي جهل والحارث بن عامر وأمية بن خلف والأخنس وكان ذلك الملعون المتعاظم بقوته على أضرابه المتفاخر على حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم {يقول} غير مبال بما بترتب على قوله من طعنه بحضرة الرسول {أَهْلَكْتُ مالًا لبدا 6} كثيرا متراكبا على بعضه في عداوة محمد، ويتباهى على المؤمنين بذلك، ولم يقل أنفقت قاتله اللّه لعدم الاكتراث به ولأنه لم يرج نفعه بل قال أهلكت وأذهبت وأضعت مالا جسيما في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان يغري به السفهاء والعبيد ليتطاولوا على حضرة الرسول ويتجاوزوا عليه {أَيَحْسَبُ} هذا الملعون {أَنْ لَمْ يَرَهُ أحد 7} حينما كان يهدر ماله في سبيل إيذاء الرسول، ألم يعلم أن اللّه يراه ويقدر على الانتقام منه في الدنيا، وأنه سيسأله عنه في الآخرة مم اكتسبه وفيم أنفقه، ثم شرع يعدد نعمه عليه التي يجب أن يشكرها ويؤمن بمن أنعم بها عليه ويحترم رسوله من أجلها لا أن يكفر ويجحد ويتعدى فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عينين 8} يبصر بهما {وَلِساناً} يتكلم به {وشفتين 9} يشد بهما فاه ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ وغيره فضلا عن أنهما زينة له {وَهَدَيْناهُ النجدين 10} طريقي الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلال، بما منحناه من العقل الذي يميز به بين ذلك ويمتاز به على غيره، وقال ابن عباس هما الثديان لاهتداء الإنسان والحيوان لتناولهما دون تعليم حال خروجه من بطن أمه، والأول أولى وهما داخلان في المعنى لأنهما من الخير الذي وهبه اللّه له في بداية خلقه، والنجد المكان المرتفع ولذلك سميت نجد نجدا، قال امرؤ القيس:
فريقان منهم جازع بطن نخلة ** وآخر منهم قاطع بطن كبكب

قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ العقبة 11} الاقتحام الدخول بسرعة وضغط وشدة بأن يرمي نفسه بالأمر الذي يريده بلا روية ولا تؤدة، والعقبة الطريق الذي فيه صعود، أي الا فعل الخير ولم يقصر في شكر نعم ربه، ولم يتبع نفسه هواها بالأذى والإضرار والمباهاة {وَما أَدْراكَ مَا العقبة 12} جاء السؤال هنا على طريق الاستفهام تعظيما لشأنها والجواب، هي شيئان خفيفان على من وفق، الأولى {فَكُّ رقبة 13} مملوكة بأن تعين في ثمنها، أو تعتقها ابتغاء مرضاة اللّه، والثانية {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مسغبة 14} من أيام احتكار أو مجاعة شديدة عامة والأولى بالإطعام فيها أولا أن يطعم {يَتِيماً ذا مقربة 15} لأنه أولى من غيره ففيه يجمع بين الصدقة والصلة وفيهما من الأجر ما فيهما والقربة مطلق القرابة في النسب، قال الزجاج لا يقال فلان قرابتي لأن القرابة مصدر بل يقال ذو قرابتي، وفيه قيل:
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ** وذو قرأبته في الحي مسرور

أي بنيل إرثه والاستيلاء عليه {أَوْ مِسْكِيناً ذا متربة 16} أي لاصق جنبه بالأرض لشدة فقره ولعدم من ينظر إليه من ذويه وغيرهم، ولا شيء يقيه من التراب لأنه ينام على الأرض.

.مطلب الحكمة الشرعية من الصدقات:

وأفضل الصدقة التي تكون على مثل هؤلاء، أما الذين لهم شيء يعلم به المتصدّق فينبغي ألا يعطيه من فضله بل يصرفه على الأحوج، هذا في الصدقة، أما الهدية فهو بالخيار والحكم الشرعي هو أنه ينبغي على الرجل أن يعطي صدقته إلى الأحوج من أقربائه ثم من جيرانه، ثم من أصدقائه ومعارفه وأن يختار الأتقى وقليل المسألة.
قال صلى الله عليه وسلم: «اختاروا لصدقاتكم كما تختارون لنطفكم».
أي كما أن الرجل إذ أراد أن يتزوج يختار الأحسن تقى ونسبا إذ قال: «عليك بذات الدين» لمن سأله ممن يتزوج، لأن الفقير المتقي يستعين بما يأخذه على تقوى اللّه، وأما الفاسق فقد يصرفها في المعصية.
{ثُمَّ كانَ} هذا الذي وفق لاقتحام العقبة وعمل الخير {مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وعملوا الصالحات} يفعلهم ذلك وسيلقى ثوابه عند ربه لأن الكافر يعطى جزاء أعماله الحسنة في الدنيا حتى لا يبقى له عند اللّه شيء يكافئه عليه في الآخرة {وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ} على فعل الطاعة وترك المعصية مع إيمانهم وعملهم الصالح {وَتَواصَوْا} وصّى بعضهم بعضا عند ما يجتمعون ويتفارقون {بالمرحمة 17} على عباد اللّه وسائر خلقه {أُولئِكَ} المتواصون والمار وصفهم هم {أَصْحابُ الميمنة 18} المباركون المعنيّون في الآية 100 من الإسراء الآتية الذين يعطون كتبهم بأيمانهم أو من جهة اليمين وهم السعداء {وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} الآية 59 من سورة يس الآتية فهم الذين يكونون من جهة الشمال ويعطون كتبهم بشمالهم المعنيون بقوله عز قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا} وماتوا على كفرهم {هُمْ أَصْحابُ المشأمة} 19 المتموتون المشئومون الذين {عَلَيْهِمْ نارٌ مؤصدة 20} قدمنا ما يتعلق في تفسير هذه الجملة في تفسير الآية 8 من الهمزة فراجعها.
هذا واللّه أعلم، واستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة البلد:
مكية.
وما مر في {لا أقسم بيوم القيامة} يأتي هنا وجواب القسم {لقد خلقنا الإنسان في كبد} وهو تام.
قال في الأصل لا خلاف فيه وقال أبو عمرو كاف وقيل تام.
{لبدا} حسن وقال أبو عمرو كاف.
{أن لم يره أحد} تام.
{فلا اقتحم العقبة} كاف وكذا {ما العقبة}.
{ذا متربة} ليس بحسن لأن الكفارة إنما تنفع مع الإيمان بالله تعالى لكن قال أبو عمرو: إنه تام.
{أصحاب الميمنة} تام.
{أصحاب المشأمة} جائز.
آخر السورة تام. اهـ.